كيف يساعد الذكاء الاصطناعي في السيطرة على فيروس كورونا؟
زاهر هاشم
يتم استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة لدعم مكافحة وباء فيروس كورونا الذي أثّر على العالم بأسره منذ بداية عام 2020. وقد تكرر الحديث في الصحافة العلمية والمجتمع العلمي عن الآمال الكبيرة في إمكانية استخدام علوم البيانات والذكاء الاصطناعي لمواجهة الفيروس، تزامنًا مع استمرار انتشار الفيروس حول العالم، وارتفاع عدد الإصابات بشكل كبير.
يعمل الذكاء الاصطناعي على تسهيل فهم الفيروس وكيفية إدارته وكيفية احتواء آثاره المدمرة بأسرع وأرخص تكلفة.
ومنذ ظهور الإصابة الأولى في مدينة ووهان الصينية، انتشر فيروس كورونا إلى 100 دولة أخرى على الأقل، وبدأت الصين استجابتها للفيروس، واعتمدت على قطاع التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات لتتبع الوباء ومكافحته، كذلك شاركت الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا بشكل متكامل مع الأطباء والأكاديميين والهيئات الحكومية في جميع أنحاء العالم مع استمرار انتشار الفيروس في العديد من البلدان الأخرى.
مساهمة الذكاء الاصطناعي في البحث عن علاج
من المتوقع والمؤكد أن تكون أولى تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مواجهة أزمة صحية عالمية مثل وباء كورونا، هي تقديم المساعدة للباحثين لإيجاد لقاح قادر على حماية مقدمي الرعاية الصحية واحتواء الوباء.
يعتمد الطب والأبحاث على عدد كبير من التقنيات، من بينها التطبيقات المختلفة لعلوم الكمبيوتر والإحصاءات التي تساهم بالفعل وبشكل مستمر ومنذ فترة طويلة في الدراسات والبحوث التي تهدف لإنتاج العلاجات، وبالتالي فإن استخدام الذكاء الاصطناعي هو جزء من هذه الاستمرارية.
إن تنبؤات بنية الفيروس التي يقدمها الذكاء الاصطناعي توفر على العلماء أشهرًا من التجارب، وتقليل الوقت اللازم لتطوير لقاح نموذجي يمكن اختباره على البشر بشكل فعال بفضل دعم تكنولوجيا المعلومات الحيوية، والتي يعد الذكاء الاصطناعي جزءًا لا يتجزأ منها.
فقد توصلت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة بايدو، بالشراكة مع جامعة ولاية أوريجون وجامعة روتشستر الأمريكيتين، إلى خوارزمية تنبؤ خطي في فبراير 2020 لدراسة البروتين المكون للفيروس والتنبؤ ببنية الحمض النووي الريبي للفيروس (RNA) وتزود العلماء بمعلومات إضافية حول كيفية انتشار الفيروسات. كما شاركت شركة “ديب مايند” التابعة لشركة “ألفابيت” مالكة جوجل، توقعاتها لبنية البروتين التاجي مع منظومة الذكاء الاصطناعي الخاصة بها.
الذكاء الاصطناعي وتبادل المعرفة
يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لدراسة وتحليل آلاف الأوراق البحثية المنشورة حول العالم عن وباء كورونا، ويتمتع تعلُم الآلة بإمكانيات هائلة للمساعدة في استنباط الرؤى من هذه البحوث العلمية.
ففي الأسابيع التي أعقبت ظهور فيروس كورونا المستجد في الصين، تم نشر ما يقرب من 2000 ورقة بحثية حول آثار هذا الفيروس الجديد، والعلاجات المحتملة، ويعكس هذا التدفق من المؤلفات العلمية بطبيعة الحال حرص الباحثين على التعامل مع هذه الأزمة الصحية الكبرى، ولكنه يمثل أيضًا تحديًا حقيقيًا لأي شخص يأمل في استثماره هذه البيانات.
وقدمت كل من “مايكروسوفت ريسيرش” والمكتبة الوطنية للطب ومعهد ألين للذكاء الاصطناعي مشروعًا لجمع وإعداد أكثر من 29000 وثيقة تتعلق بالفيروس الجديد وعائلة الفيروسات التاجية الأوسع، تمت معالجة 13000 منها حتى تتمكن أجهزة الكمبيوتر من قراءة البيانات الأساسية بالإضافة إلى معلومات عن المؤلفين.
الذكاء الاصطناعي لمراقبة والتنبؤ بتطور الوباء
يمكن للذكاء الاصطناعي، أن يحذر من الأوبئة القادمة ويعطينا الوقت الكافي للاستعداد.
على سبيل المثال، تستخدم شركة “بلودوت” (BlueDot) الكندية، خوارزمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي وتعلّم الآلة ومعالجة اللغة الطبيعية، لتحليل المعلومات من العديد من المصادر وتتبّع أكثر من مائة من الأمراض المعدية.
ويرجع الفضل إلى “بلودوت” في الكشف المبكر عن الفيروس باستخدام الذكاء الاصطناعي وطورت الشركة خوارزميات قادرة على الاطلاع على مئات آلاف المقالات الصحافية يوميًا، وبيانات الملاحة الجوية، والمعلومات السكانية والبيانات المناخية، وقد اكتشفت “بلودوت” ما اعتبر آنذاك تفشيًا للالتهاب الرئوي في ووهان الصينية في 31 ديسمبر 2019 وحددت المدن التي من المرجح أن تواجه هذا الفاشية، كما تنبأت “بلودوت” بأماكن تفشي الوباء في المدن الآسيوية الأخرى من خلال تحليل مسارات المسافرين ومسارات الطيران.
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضاً استخدام بيانات وسائل التواصل الاجتماعي للتنبؤ بالسلوك البشري وتفشي المرض المحتمل.
وتعمل فيسبوك بالفعل مع باحثين في كلية الصحة العامة بجامعة هارفارد الأمريكية وجامعة تسينج هوا الصينية، حيث يشاركون بيانات مجهولة المصدر حول تحركات الأشخاص وخرائط الكثافة السكانية، مما يساعدهم على التنبؤ بانتشار الفيروس.
تساعد الشبكة الاجتماعية أيضًا على فهم محادثات الأشخاص عن المشكلة عبر الإنترنت، من خلال أدوات تجمع وتحلل منشورات وسائل التواصل الاجتماعي.
كما طور فريق من الباحثين العاملين مع مستشفى بوسطن للأطفال ذكاءً اصطناعيًا لتتبع انتشار الفيروس التاجي. يدمج النظام المسمى HealthMap، بيانات يتم جمعها من عمليات بحث جوجل ووسائل التواصل الاجتماعي والمدونات، فضلاً عن منتديات المناقشة، وهي مصادر المعلومات التي لا يستخدمها علماء الأوبئة عادةً، ولكنها مفيدة لتحديد العلامات الأولى لتفشي المرض وتقييم الاستجابة العامة.
الذكاء الاصطناعي لمساعدة العاملين في مجال الرعاية الصحية
طورت شركتان صينيتان برنامجًا تشخيصيًا لفيروس كورونا اعتمادًا على الذكاء الاصطناعي. فقد دربت شركة Infervision الناشئة ومقرها بكين برمجياتها للكشف عن مشاكل الرئة باستخدام التصوير المقطعي المحوسب (CT). يستخدم البرنامج في الأصل لتشخيص سرطان الرئة، ويمكنه أيضًا اكتشاف الالتهاب الرئوي المرتبط بأمراض الجهاز التنفسي الناتج عن فيروس كورونا، وقد تم استخدام هذه التقنية فيما لا يقل عن 34 مستشفى صينيًا لمساعدتها في فحص 32 ألف حالة مشتبه فيها.
كما طورت “أكاديمية دامو علي بابا”، وهي الذراع البحثي لشركة “علي بابا” الصينية العملاقة، تقنية لتحليل صور التصوير المقطعي المحوسب في غضون 20 ثانية لتشخيص الحالات المشبه بإصابتها بفيروس كورونا الجديد بنسبة دقة تبلغ 96 بالمائة، بينما يستغرق الأطباء عادة حوالي 5 إلى 10 دقائق في تشخيص صور التصوير المقطعي المحوسب لمريض، وبذلك يمكن لنظام التشخيص بالذكاء الاصطناعي تخفيف الضغط على موارد المستشفيات.
الذكاء الاصطناعي كأداة للسيطرة على السكان
تم استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع لدعم سياسات المراقبة الجماعية كما هو الحال في الصين، حيث تم استخدام الأجهزة الذكية لقياس درجة الحرارة والإبلاغ عن الأفراد الذين يعانون من ارتفاع درجة حرارة الجسم.
وفي كوريا الجنوبية، يتم تشغيل تنبيه تستقبله السلطات الصحية عندما لا يمتثل الأشخاص لفترة العزل، على سبيل المثال عند تواجدهم في مكان مزدحم مثل وسائل النقل العام أو مركز التسوق، وفي تايوان، يتم إعطاء هاتف محمول للأشخاص المصابين يسجل الإحداثيات الجغرافية الخاصة بهم حتى تتمكن الشرطة من تتبع تحركاتهم والتأكد من أنهم لا يبتعدون عن مكان إقامتهم. وفي إيطاليا، طورت إحدى الشركات أيضًا تطبيقًا للهواتف الذكية يمكن استخدامه لتتبع مسار شخص مصاب بالفيروس وتحذير الأشخاص الذين اتصلوا به.
الذكاء الاصطناعي لمكافحة المعلومات المضللة حول الفيروس
أخيرًا، فقد تزامن انتشار فيروس كورونا مع انتشار الكثير من الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة والشائعات على الشبكات الاجتماعية والإنترنت. سواء كان الأمر يتعلق بالفيروس نفسه أو الطريقة التي ينتشر بها أو وسائل علاجه ومكافحة آثاره.
يمكن للذكاء الاصطناعي العمل بفعالية لمحاربة المحتوى المضلل وغير المناسب، وتتعاون منظمة الصحة العالمية مع السلطات الحكومية والشركاء عبر الإنترنت مثل فيسبوك وانستجرام ويوتيوب، لضمان توفر معلومات ونصائح دقيقة، وكذلك من خلال اتخاذ خطوات لإعلام الجمهور عند ظهور معلومات غير دقيقة “.
منشور في مجلة لغة العصر الصادرة عن مؤسسة الأهرام المصرية – العدد 233 مايو 2020
Share this content:
إرسال التعليق